دين ودنيا

ابن قيم الجوزية

ابن قيم الجوزية

كتب محمود مرعى
وُلد ابن القيم سنة 691هـ/ 1292م، فنشأ في مدينة دمشق، واتجه لطلب العلم في سن مبكِّرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ في مختلِف العلوم، منها: التفسير والحديث والفقه والعربية، وكان ابن تيمية أبرزَ شيوخه، التقى به في سنة 712هـ/ 1313م، فلازمه حتى وفاته في سنة 728هـ/ 1328م، فأخذ عنه علمًا جمًّا واتَّبع مذهبَه ونصرَه وهذَّبَ كتبه، وبلغت مدَّة ملازمته له سبعة عشر عامًا تقريبًا. وتولَّى ابن القيِّم الإمامة في «المدرسة الجَوْزِية»، والتدريس في «المدرسة الصَّدْرِية» في سنة 743هـ.
سُجن ابن القيم مع شيخه ابن تيمية في شهر شعبان سنة 726هـ/ 1326م بسبب إنكاره لشدِّ الرحال لزيارة القبور، وأوذيَ بسبب هذا، فقد ضُرب بالدِّرَّة (السَّوط) وشُهِّر به على حمار. وأُفرج عنه في يوم 20 ذو الحجة سنة 728هـ بعد وفاة ابن تيمية بمدَّة. ويذكر المؤرِّخون أنه جرت له مشاكلُ مع القضاة منها في شهر ربيع الأول سنة 746هـ بسبب فتواه بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل. وكذلك حصلت له مشاكلُ مع القضاة بسبب فتواه بمسألة أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقةً واحدة. توفي في 13 رجب سنة 751هـ وعمره ستون سنة، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق.
سار ابن القيم على نهج شيخه ابن تيمية في العقيدة، وكان له آراءٌ خاصة في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغيرها من العلوم. واشتَهَر بمؤلفاته في العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو، إضافة إلى قصائده الشعرية.
كان لابن قيم الجوزية تأثيرٌ كبير في عصره، فيشير المؤرِّخون إلى أخذ الكثيرين العلمَ على يديه. وكذلك برز أثره إلى جانب شيخه ابن تيمية في أماكنَ متفرقة من العالم الإسلامي في وقت لاحق، فكانت حركةُ محمد بن عبد الوهاب التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري امتدادًا لدعوة ابن تيمية، وكان محمد بن عبد الوهاب يعتني اعتناء كاملًا بكتبه وكتب ابن القيِّم، وكذلك الحال لدى محمد رشيد رضا. وفي شبه القارَّة الهندية برز أثرُ كتبهما أيضًا في كثير من طلبة العلم ونُشرَت كتبهما على أيدي العلماء هناك.
هو: «أبُو عَبْدِ الله شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكرِ بنِ أيُّوبَ بنِ سَعْدِ بْنِ حَرِيْزِ بنِ مَكِّي زَين الدِّين.» الزُّرَعِيُّ نسبة إلى مدينة زرع (وهي تسمَّى اليوم إزرع) ثم الدِّمَشْقِي الحَنْبَلِي. وقَد جاء في كتاب «التاج المكلّل» لصدِّيق حسن خان القِنَّوْجِي نسبته «الدرعي»، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن هذا خطأ ولعله تطبيع، وجاء في كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير الدمشقي نسبة والده «الذرعي»، ويذكر أبو زيد أيضًا أن هذا خطأ ولعله تطبيع.
اشتهر شمس الدين محمد بلقب ابن قيم الجوزية ويُختصر فيقال ابن القيم، وتتفق كتب التراجم أن سبب شهرته بهذا الاسم هو أن والده «أبا بكر بن أيوب الزرعي» كان قيمًا على «المدرسة الجوزية»(1) الواقعة بمدينة دمشق مدةً من الزمن، فاشتهر بعد ذلك بلقب «قيم الجوزية» واشتهرت من بعده ذريته بهذا الاسم. وقد درج المترجمون له وفيهم تلامذته على هذا الاسم «ابن قيم الجوزية». ومنهم ابن رجب الحنبلي والصفدي وابن كثير والذهبي. واختصار اسمه بقول ابن القيم فهو شائع والأكثر اشتهارًا اليوم. وقد كان مشهوراً عند بعض العلماء المتأخرين كابن حجر العسقلاني وجلال الدين السيوطي.
عائلة «آل القيم» عائلة علمية، فوالده هو «أبو بكر بن أيوب بن سعد الزرعي» الذي كان قيّماً على «المدرسة الجوزية» بدمشق، وقد كان هو نفسه أحد معلمي ابنه وشيوخه، فقد أخذ منه ابنه ابن القيم علم الفرائض. وأخوه هو «أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي» ولد سنة 693هـ أي أنه أصغر من ابن القيم بنحو سنتين، وقد كان هو الآخر عالماً، وقد كان ابن رجب أحد تلامذته، وقد تفرّد بالرواية عن شيخه «الشهاب العابر». ومن عائلته أيضًا ابن أخيه «عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن» الذي اقتنى أكثر مكتبة عمه ابن القيم، وتوفي سنة 799هـ. ومن أبنائه الذين تُرجم لهم، ابنه «شرف الدين، وجمال الدين عبد الله» وقد كان عالماً وخطيباً، وقد درَّس في المدرسة الصدرية عقب وفاة والده، توفي شاباً في سنة 756هـ وعمره ثلاث وثلاثون سنة. وابنه «برهان الدين إبراهيم»، وقد أفتى ودرَّس بالمدرسة الصدرية، وقد كان عارفاً بالنحو وله شرح لألفية ابن مالك سماه «إرشاد السالك إلى حل ألفيّة ابن مالك». وكانت وفاته سنة 767هـ.
تتفق كتب التراجم على أن ابن القيم ولد في سنة 691هـ/1292م، وقد حدّد يوم ولادته بالتحديد صلاح الدين الصفدي في كتابه «الوافي بالوفيات» فبين أن ولادته في يوم 7 صفر سنة 691هـ الموافق ليوم 28 يناير 1292م. وقد تابعه على ذلك «الداودي»، و«جلال الدين السيوطي»، و«ابن تغري بردي».
لم تصرّح جُلُّ المراجع بمحلّ ولادة ابن القيم هل هي في مدينة إزرع أم في مدينة دمشق، إلا أن «عبد الله بن مصطفى المراغي» صرح بذلك في كتابه «الفتح المبين في طبقات الأصوليين»، فذكر أنه ولد بمدينة دمشق. ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد أن المترجمين يذكرون في ترجمة ابن القيم وفي ترجمة والده «الزرعي الأصل ثم الدمشقي» وأن معنى هذا اصطلاحهم في هذا التعبير قد يريدون به محل الولادة ثم محل الانتقال للمُترجم له، وقد يريدون أنّ والده أو أجداده مثلاً من هذه البلدة ثم صار الانتقال إلى الأخرى.

بقلم الكاتب/ محمود مرعي
مؤسس الفريق/ دنيا ثابت

السابق
قسيمة للكوبونات والخصومات
التالي
تاريخ مصر القديمة التاريخ المصرى القديم

اترك تعليقاً